كيف تفرض التقلبات العالمية على الاقتصادات الناشئة اعتماد سياسات مبتكرة

أشار خبراء دوليون إلى أن التغيرات العالمية المتزايدة تفرض على الدول ضرورة تبني سياسات مبتكرة ومرنة، مما يساعد على مواجهة التحديات الخارجية وتعزيز القدرة الاقتصادية، حيث أكدوا على أهمية اعتماد سياسات اقتصادية جديدة تتميز بالتنوع والمرونة، مع ضرورة تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وإعادة هيكلة الأطر التقليدية لمواجهة الأزمات المتتالية.

وفي كلمته خلال المؤتمر الأول للبحوث الاقتصادية حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي عُقد في القاهرة، أكد أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا باري آيشنغرين أن صانعي السياسات يواجهون اليوم بيئة اقتصادية عالمية أكثر تقلبًا وضبابية وتعقيدًا من أي وقت مضى.

وشدد آيشنغرين على أهمية تبني نهج تنويعي في السياسات الاقتصادية، يشمل جميع الأبعاد مثل التجارة والتمويل وتركيبة سلة الصادرات، محذرًا من مخاطر الاعتماد على سوق واحدة أو نمط اقتصادي وحيد في الظروف الحالية.

كما أشار إلى التحدي المتمثل في تحقيق التوازن بين الحاجة الملحة لضبط الأوضاع المالية العامة وخفض معدلات الدين، وبين ضرورة تحفيز النمو والتنمية المستدامة من خلال سياسات مالية توسعية، موضحًا أن المعادلة أصبحت أكثر تعقيدًا، خاصة مع تراجع الفارق بين أسعار الفائدة الحقيقية ومعدلات النمو نحو اتجاه أقل إيجابية.

وفيما يتعلق بالاقتصاد المصري، أكد أن التحدي الرئيسي يكمن في جانب الإيرادات العامة، مشيرًا إلى أن مصر لم تستغل بعد إمكانياتها الكاملة في تحصيل الضرائب وتنويع مصادر الإيرادات الأخرى، داعيًا إلى التركيز على تعزيز الإيرادات من خلال توسيع الوعاء الضريبي ورفع كفاءة الإدارة الضريبية كركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار ودفع عجلة النمو.

كما أكد أن التجارب الدولية تشير بوضوح إلى أن عمليات التخارج من الشركات الكبرى أو خصخصتها تتطلب إعدادًا دقيقًا ومسبقًا، مشددًا على أهمية وضع شروط صارمة لإعداد التقارير المالية لضمان أعلى درجات الشفافية للمستثمرين والجمهور، وتعزيز حقوق المساهمين، وتطوير أسواق مالية ذات كفاءة عالية، محذرًا من أن عمليات الخصخصة السريعة غالبًا ما تخلق مشاكل أكثر مما تقدم من حلول.

من جانبه، أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة نيويورك في أبوظبي فرانسوا بورغينيون على الدور المحوري لتطوير آليات تأمين اجتماعي شاملة وفعالة، تحمي المواطنين من التداعيات القاسية للصدمات الاقتصادية الكبرى، حيث أشار في كلمته خلال مؤتمر صندوق النقد الدولي الأول للبحوث الاقتصادية حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن هذه الآليات لا تزال في مراحلها الأولية في معظم الدول النامية والناشئة، معتبرًا أن الظرف الحالي يعد فرصة سانحة لإعطاء هذا الجانب الأولوية القصوى.

وأوضح أهمية الإصلاحات الهيكلية، خاصة في أسواق العمل، وتعزيز المنافسة كأساس لبناء اقتصادات مرنة ومستقرة، مشيرًا إلى أن تدني معدلات المشاركة في القوى العاملة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمثل هدرًا كبيرًا للناتج المحلي الإجمالي والإيرادات الحكومية، داعيًا إلى جعل هذه القضية محور اهتمام مشترك لمختلف السياسات.

وأشار إلى أهمية قطاع الإنتاج والمنافسة، مؤكدًا أن هيمنة الشركات المملوكة للدولة أو الوثيقة الصلة بها تعرقل المنافسة الحرة، وأن معالجة هذا الخلل تتطلب مقاربة شجاعة للاقتصاد السياسي الذي يكمن وراء هيكلة قطاع الإنتاج.

بدوره، دعا محافظ البنك المركزي الأرميني مارتن غالستيان إلى ضرورة إحداث نقلة نوعية في الذهنية الاقتصادية السائدة، مستلهمًا من عالم الرياضة مقولة: “لا ينبغي أن نتطلع إلى تحديات أقل، بل إلى اكتساب مهارات أعلى”.

وأكد أهمية صياغة سياسات اقتصادية ذات مصداقية عالية، والتي تعني من وجهة نظره بناء أطر عمل راسخة وشفافة للسياسات المالية والنقدية ولتحقيق الاستقرار المالي، مشددًا على أن بناء الثقة من خلال الأطر الواضحة والمصداقية يعد حجر الزاوية، بجانب تكوين احتياطيات كبيرة في أوقات الرخاء لاستخدامها كدرع واق في أوقات الشدة.

ومن ناحيته، قال عضو المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية بمصر وزير المالية الأسبق الدكتور يوسف بطرس غالي إن مسيرة العولمة لم تحقق الفائدة المرجوة للقارة الإفريقية، حيث شعرت شرائح واسعة من مجتمعاتها بالتهميش، مما ساهم في صعود تيارات سياسية أكثر انغلاقًا.

وأضاف أن النظام العالمي بصدد التغير، ويتوجب علينا تحديد ملامح النظام الجديد الذي نصبو إليه، داعيًا إلى إصلاح النظام العالمي القائم ليصبح أكثر عدلًا وشمولًا وشفافية وفعالية، مؤكدًا ضرورة إعادة بناء هذا النظام وفق أسس أكثر إنصافًا، بما يمكننا من تحديد موقعنا فيه وخدمة مصالح بلداننا وشعوبنا على النحو الأمثل.

كما أكد أن الحراك الديناميكي هو السبيل للاقتصادات الناشئة لامتصاص التكنولوجيا المتطورة وتحسين الإنتاجية، وذلك عبر التواصل الفعال والاندماج المثمر مع الاقتصاد العالمي، مستشهدًا بتجربة مصر في تحقيق المصداقية كخطوة أولى من خلال خفض التعريفات الجمركية، مما أثمر عن تدفقات فورية للاستثمار الأجنبي المباشر، وولد الزخم اللازم لتطبيق إصلاحات هيكلية أعمق.