اكتشف من هو أونوريه دي بلزاك، الروائي الذي أسس موسوعة المجتمع الفرنسي

اكتشف من هو أونوريه دي بلزاك، الروائي الذي أسس موسوعة المجتمع الفرنسي

عندما نتحدث عن “أونوريه دي بلزاك”، نجد أنفسنا أمام مشروع أدبي استثنائي هو “الكوميديا الإنسانية”، الذي لم يكن مجرد مجموعة من الروايات، بل كان جهدًا جريئًا لتقديم صورة شاملة للمجتمع الفرنسي في القرن التاسع عشر، بتنوع طبقاته، وصراعاته، وآلاف شخصياته.

مشروع روائي بطموح المؤرخ

انطلق بلزاك في هذا المشروع في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، واضعًا أمام عينيه هدفًا فريدًا يتمثل في كتابة سلسلة من الروايات تعكس كل جوانب الحياة في فرنسا، من الطبقة الأرستقراطية إلى الفئات الفقيرة، ومن الحياة الحضرية إلى الريفية، وكذلك السياسة والاقتصاد، بل وحتى الدين والأخلاق والحب.

أطلق على هذا المشروع اسم “الكوميديا الإنسانية”، مستلهمًا الاسم من “الكوميديا الإلهية” لدانتي، لكنه استبدل “الإلهي” بـ”الإنساني”، ليعكس تركيزه على الإنسان، بدلاً من الآخرة.

موسوعة أدبية للمجتمع الفرنسي

تضمنت “الكوميديا الإنسانية” أكثر من 90 رواية وقصة قصيرة، وكان من المخطط أن تصل إلى 137 عملًا، لكن بلزاك توفي قبل أن يتمم هذا المشروع الضخم.

تميزت هذه الأعمال بترابطها، إذ نجد شخصيات تظهر في رواية واحدة وتعود في أخرى، على سبيل المثال، شخصية “رستيغناك” التي تبدأ كشاب فقير في “الأب غوريو”، ثم نشهد صعوده الاجتماعي في روايات لاحقة، هذا الترابط خلق عالمًا أدبيًا متماسكًا، يشبه ما نراه اليوم في سلاسل الأفلام أو الروايات الحديثة.

رؤية بلزاك للمجتمع: واقعية بلا رتوش

لم يكن بلزاك يكتب للتسلية، بل لكشف الواقع.

تناول الجشع، النفاق، الطموح، الصراع الطبقي، والسلطة القاسية للمال، لم يقدم أبطالًا مثاليين، بل شخصيات واقعية تحمل في طياتها الخير والشر، الصعود والسقوط.

رأى في الرواية وسيلة لفهم العالم، ولم يتردد في إظهار قبحه، وفي ذلك كان سبّاقًا لعصره، ومهد الطريق لأدباء الواقعية مثل فلوبير وتولستوي.

بين الروائي والعالم

لم يكتفِ بلزاك بالملاحظة، بل كان يحلل، يقارن، ويربط، واصفًا نفسه بـ”كاتب مثل عالم الأحياء، يشرح المجتمع كما يشرح الأطباء الجسد”.

كان يعتقد أن كل سلوك بشري هو نتيجة لبيئته ومكانه في الهرم الاجتماعي.

لذلك، تُعتبر “الكوميديا الإنسانية” وثيقة أدبية واجتماعية، يمكن لأي دارس للتاريخ أو الاقتصاد أو علم النفس الاستفادة منها، كما يمكن للقارئ العادي أن يجد فيها الكثير من القيمة والمعرفة.