مسرحية الربان تجذب حشودًا ضخمة خلال مهرجان الدوحة

مسرحية الربان تجذب حشودًا ضخمة خلال مهرجان الدوحة

في الدورة 37 من مهرجان الدوحة المسرحي، ومع توافد جماهيري كبير، اختتمت مسرحية “الربّان”، التي أثارت جدلاً واسعًا وإعجابًا كبيرًا، حيث قدمت لغة درامية غير تقليدية، وأداء بصري وفكري صادم، متجاوزةً الحدود المعتادة في الشكل والمضمون.

العرض، الذي كتبه الدكتور خالد الجابر وأخرجه علي ميرزا محمود، لم يكتفِ بكسر الجدار الرابع، بل حطّمه تمامًا، محولًا الخشبة إلى بحرٍ متلاطم، مما جعل المتفرج يشعر وكأنه في قلب العاصفة، ليس كمتلقٍ سلبي، بل كراكبٍ على متن سفينة تائهة، لا يمتلك ترف الانسحاب أو الاستسلام.

في حديثٍ أعقب العرض، أوضح الكاتب الدكتور خالد الجابر أن مسرحية “الربّان” ليست مجرد نص درامي، بل رؤية فلسفية مغلّفة بمأساة، تتناول مصير الجماعة في غياب القائد، مشيرًا إلى أن الإشكالية الكبرى في كتابة هذا العمل كانت تلاحقه كظل، حيث تطرح تساؤلات مقلقة حول من يقرر مصير الجماعة حين يسقط القائد، هل تكفي القوة وحدها، أم تُجدي الثورة، أم أن الحكمة وحدها من تنقذ السفينة، أم أن الانقسام هو مصير لا مفر منه.

المسرحية لا تقدم إجابات جاهزة، بل تضع المتفرج أمام مرآة مضطربة، تعكس بحركتها الفوضوية ذات العواصف التي تضرب الخشبة، حيث كل شخصية تجسد توجهًا أيديولوجيًا معينًا، ليست فقط كتنويع درامي، بل كمحاولة لتجسيد الصراع الداخلي في المجتمعات عند فقدان التوازن.

قاد المخرج علي ميرزا محمود العمل برؤية بصرية مشحونة بالرمز والاضطراب، حيث لم يكن هدفه تجسيد سفينة تتأرجح وسط البحر فحسب، بل ترجمة ما يدور داخل الشخصيات إلى الخارج، ليصبح المشهد المسرحي امتدادًا لقلقها الداخلي، حيث يقول المخرج: اعتمدنا في التصميم على الانكسارات، التكرار، والصوت المتداخل، ليشعر المشاهد أن الشخصيات لا تغرق في البحر، بل في أعماق ذواتها

اختار المؤلف الدكتور خالد الجابر والمخرج علي ميرزا محمود أن يُسدل الستار على الربّان بمشهد غرق السفينة، دون تفسير أو خاتمة واضحة، دون إعلان عن من نجا أو من ابتلعته الأمواج، لم يكن الغرق نهاية سردية بقدر ما كان نهاية مفتوحة، محمّلة بالرمز، حيث جسّد غرق السفينة انهيار المجتمعات عندما تفقد بوصلتها، حين يختفي العقل وتعلو أصوات الصراع.

قال الدكتور الجابر عن هذا المشهد: الغرق ليس خاتمة، بل سؤال، كم مرة يجب أن نغرق حتى نعيد التفكير، ومع هذا الختام، غادر الجمهور القاعة مثقلاً بالتساؤلات، لا تصفيق عفوي، لا ابتسامات خفيفة، بل لحظات صمت وتأمل كثيف، وكأن كل متفرج خرج يبحث عن موقعه داخل تلك السفينة الغارقة

نال العرض إعجابًا واسعًا من النقاد، الذين وصفوه بأنه تجربة “عقلية-شعورية”، تتجاوز حدود المتعة البصرية لتوقظ الفكر والحس، ورأى كثيرون في الربّان عودة للمسرح إلى وظيفته الأصيلة: أن يكون ساحة للتساؤل والمساءلة، لا مجرد وسيلة للهروب، وقد أثنوا على تماسك النص، وجرأة الرؤية الإخراجية التي لم تتردد في طرح مواقف معقدة، ومشاهد تهزّ المشاهد بدل أن تريحَه